عمر احرشان، إن إجراء الانتخابات المبكرة لن ينهي الأزمة القائمة في البلاد.
قال أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة القاضي عياض بمدينة مراكش المغربية، عمر احرشان، إن إجراء الانتخابات المبكرة لن ينهي الأزمة القائمة في البلاد، لأن « المدخل الانتخابي لن يكون حلا، لأن أعضاء الحكومة مجرد موظفين سامين ورهائن في يد حكومة الظل »، وذلك في إشارة لما يُعرف في المغرب بـ »المخزن »، أي النظام الملكي الحاكم.
وأضاف، في مقابلة خاصة : « كان يمكن أن تكون الانتخابات المبكرة حلا لو هناك احتمال أن تفرز أغلبية مختلفة عن جميع مَن سيتقدم للتنافس. الحقيقة أن كل الأحزاب جُربت، بل إن مَن يعارض هذه الحكومة اليوم هو متسبب في هذه المآلات بسياساته التي اعتمدها سواء في مجال الخوصصة أو التحرير أو رفع الدفع أو دعم الريع أو عدم وقف النزيف لما كان مسؤولا حكوميا ».
ورأى احرشان، أن « أزمة غلاء الأسعار التي يشهدها المغرب تعكس تضارب المصالح وحالة التنافي الأخلاقي التي يوجد عليها وزراء كثر في الحكومة وهم أصحاب مصالح من هذا الارتفاع في الأسعار ويراكمون من خلاله ثروات إضافية »، مضيفا: « ما يحدث هو ترك الشعب فريسة للوسطاء وتجار الأزمات الذين يغتنون في هذه المناسبات ».
وحول كيفية إنقاذ القدرة الشرائية للمواطنين، أضاف الأكاديمي المغربي: « لا حل إلا مراجعة السياسة العامة للدولة، وتقوية الشفافية والمؤسسات التمثيلية للشعب والتنافسية والطابع الاجتماعي والتضامني للدولة من أجل عدالة اجتماعية ومجالية ».
وتاليا نص المقابلة الخاصة:
كيف ترى موجة الغلاء غير المسبوقة التي يشهدها المغرب؟ وهل يمكن القول أن ملف الأسعار خرج عن سيطرة الحكومة؟
أظن في عبارة « غير المسبوقة » نوع من المجازفة، واستقراء الماضي يبين أن المغرب عرف موجات ارتفاع كبيرة للأسعار، ولكن ربما الجديد هذه المرة أنها تزامنت مع عوامل كثيرة سلطت عليها الضوء أكثر مثل مواقع التواصل الاجتماعي التي تتيح انتشارا واسعا لتذمر الشعب وسخطه، ومثل تهافت مبررات هذا الارتفاع، ومثل تزامن هذه الموجة مع التسويق لشعار الدولة الاجتماعية.
أما بخصوص ضبط الأسعار ودور الحكومة في ذلك فلا أظن الأمر خرج عن سيطرتها، بل إنه إرادي ويعكس تضارب المصالح وحالة التنافي الأخلاقي التي يوجد عليها وزراء كثر في الحكومة وهم أصحاب مصالح من هذا الارتفاع في الأسعار ويراكمون من خلاله ثروات إضافية.
كان يمكن الحديث عن عجز أو فشل لو شعر المغاربة فعلا أن هناك محاولات جدية لضبط الأسعار وتفعيل لمؤسسات الدولة المتخصصة في هذا المجال وضمنها الإدارة العمومية التي توجد دستوريا تحت تصرف الحكومة. ما يحدث هو ترك الشعب فريسة للوسطاء وتجار الأزمات الذين يغتنون في هذه المناسبات.
ما انعكاسات ظاهرة تعدد الوسطاء بين الفلاح والمستهلك النهائي؟ وما أبعاد دور المحتكرين والمضاربين في إشعال الأزمة الاقتصادية؟
كان يمكن الاطمئنان إلى أن هذا هو السبب الرئيسي لو لم يكن حاضرا في السابق. الوسطاء والسماسرة موجودون دائما ولكن لم تصل حدة الغلاء إلى هذا المستوى. هذا يدفعنا للبحث عن أسباب أخرى، وهي مرتبطة أساسا بفشل الاختيارات الكبرى للدولة وقصور السياسات العمومية وغياب رؤية استشرافية.
لتبسيط المسألة أعطي أمثلة. بخصوص الارتفاع الصاروخي لثمن المحروقات يمكن الرجوع لسبب رئيسي هو خوصصة ثم إغلاق محطة « سامير للتكرير »، والتي كان يمكن أن تُشكّل حلا كبيرا للتخفيف من هذا الارتفاع في سعر المحروقات، ويمكن كذلك التدقيق في طريقة تطبيق نظام المقايسة في تحديد سعر المحروقات ليتضح أن السعر غير مرتبط بنظام السوق الدولية، إلا في حالة رفعه بينما تنخفض الأسعار في السوق الدولية وتبقى مرتفعة في المغرب، ويمكن كذلك النظر في عدم تنفيذ قرارات مجلس المنافسة في هذا المجال. كل هذا يجعلنا نفهم أن الأمر يرتبط بفشل في الاختيارات والتدبير.
اقرأ أيضا:
يعشق المغرب والسينما المصرية.. « عربي21 » تحاور المتحدث باسم الخارجية الأمريكية (شاهد)
نفس الأمر ينطبق على المنتوجات الفلاحية، وخاصة القمح، التي يؤدي المغاربة ثمن سياسات فاشلة بشأنها حين ضحت الدولة بالأمن الغذائي لفائدة تصدير المواد الفلاحية للخارج أو السماح ببناء عقارات سكنية في مناطق فلاحية. هذه فقط أمثلة وإلا فهناك الكثير مما يوضح أن سبب هذه المعاناة ليس ظرفيا ولكنه بنيوي يرتبط بفشل السياسات العمومية المتبعة منذ عقود وقد وصلت الدولة للحظة تقديم الحساب، لأن سياسة الترقيع والتأجيل لم تعد مجدية.
كيف تنظرون لتبريرات الحكومة بخصوص حرب أوكرانيا وجائحة كورونا وقلة الأمطار والجفاف وموجة البرد وما إلى ذلك؟
نعم قد تكون هذه من بين الأسباب إضافة إلى ما سبق ذكره من فشل السياسات وعجز المؤسسات وضعف الاستشراف. والسؤال هو ما دور الدولة إن لم تستبق هذه العوامل؟، ولماذا يطول تأثيرها طيلة هذه المدة؟، كان يمكن تفهم نوع من الارتباك قصير الأجل بحكم أن هناك عوامل فجائية لم يكن ممكنا الاستعداد المبكر لها، ولكن عدم الاستدراك المبكر يؤكد ضعف الدولة وفشلها وعدم قدرتها على التأقلم مع هذه التحولات. والأخطر أن التداعيات السلبية لهذه الظرفية لم تكن متساوية بين كل الشرائح والفئات، لأن هناك فئة اغتنت وأخرى اكتوت. العوامل التي ذكرتها في سؤالك كانت عامة على جميع الدول ولكن درجة التأثر بها سلبا اختلفت من دولة إلى أخرى. وهذا كان مؤشرا مهما لقياس متانة كل دولة وطابعها الاجتماعي ومدى خدمتها لمواطنيها.
كيف يمكن إنقاذ القدرة الشرائية للمواطنين؟
لا حل إلا مراجعة السياسة العامة للدولة وتقوية الشفافية والمؤسسات التمثيلية للشعب والتنافسية والطابع الاجتماعي والتضامني للدولة من أجل عدالة اجتماعية ومجالية.
هل الاحتجاجات التي تشهدها العديد من المدن والبلدات يمكن أن تكون حلا؟
الاحتجاجات صرخة شعبية وإنذار فقط، وهي مؤشر عن رضى أو سخط الشعب على المؤسسات والسياسات الحاكمة. لو كنا في بلد ديمقراطي يقرن بين الاختيار الشعبي ومؤسسات تدبير الشأن العام وبين ممارسة السلطة والخضوع للمحاسبة لكانت جزءا رئيسيا للحل لأنه يتبعها أساسا تجاوب أو تجاهل يكون له أثر فعلي على المشهد العام في البلد ولكننا في بلد لا تحترم فيه إرادة الشعب لأن المؤسسات المنتخبة لا تعبر إلا عن أقلية شعبية.
مَن المسؤول الحقيقي عن تردي الأوضاع.. الحكومة أم المخزن (النظام الملكي) أم مَن تحديدا؟
المسؤولية مشتركة، ولكن لكل نصيب مختلف. المسؤولية الأساسية يتحملها مَن يتحكم في السياسة العامة للدولة ثم مَن يتحمل مسؤولية تنزيلها ثم مَن يتحمل مسؤولية مراقبتها وتقييمها ثم مَن يتحمل مسؤولية تأطير الشعب وتوعيته ويدعي تمثيله والدفاع عن مصالحه ويتقاعس عن هذا الدور.
إلى أي مدى تعتبرون أن حكومة أخنوش « فقدت ثقة الشعب »؟ وهل أنتم مع أم ضد إجراء انتخابات مبكرة؟
فقدت الثقة يفهم منه أنها حازتها، والحقيقة أن كل الحكومات هي حكومات أقلية شعبية ومؤشر هذا هو نسبة التصويت في الانتخابات التي تفرزها. كان يمكن أن تكون الانتخابات المبكرة حلا لو هناك احتمال أن تفرز أغلبية مختلفة عن جميع مَن سيتقدم للتنافس. الحقيقة أن كل الأحزاب جُربت، بل إن مَن يعارض هذه الحكومة اليوم هو متسبب في هذه المآلات بسياساته التي اعتمدها سواء في مجال الخوصصة أو التحرير أو رفع الدفع أو دعم الريع أو عدم وقف النزيف لما كان مسؤولا حكوميا. ولذلك، لا يعول على انتخابات مبكرة لتجاوز هذه الوضعية.
ماذا لو لم يقم الملك بالدعوة لانتخابات جديدة رغم استمرار تأزم الأوضاع وفشل الحكومة؟
لنلاحظ أن لا أحد من أحزاب المعارضة يطالب بانتخابات مبكرة بشكل رسمي. المدخل الانتخابي لن يكون حلا لأن أعضاء الحكومة مجرد موظفين سامين ورهائن في يد حكومة الظل. فشل حكومة أخنوش لا يختلف عن فشل حكومة العثماني وبنكيران واليوسفي وعباس الفاسي وغيرهم، ربما تختلف الظرفية وحِدَّةُ الفشل ولكن الفشل واحد.
في حال إجراء انتخابات جديدة في المغرب خلال العام الجاري.. ما توقعاتكم لنتائج تلك الانتخابات؟ وهل « العدالة والتنمية » يمكن أن يعود مرة أخرى لصدارة المشهد؟
التنبؤ بنتائج الاقتراع تتحكم فيه عوامل دقيقة مرتبطة أساسا بالدواعي التي ستعلن حينها وتوقيت الاقتراع والظرفية العامة والسياق المحيط. ولذلك من المغامرة الحديث عن هذا الآن. « العدالة والتنمية » زادت عزلته وضعفه ويصعب أن يُشكّل أغلبية مختلفة عن الأغلبية الحالية. التجربة المغربية تؤكد أن خطاب الأحزاب في المعارضة يختلف بشكل كبير مع ممارساتها لما تكون في الحكومة. وهذه القاعدة لم يوجد لها استثناء حتى اليوم مع كل مَن جرب من الأحزاب سابقا.
قبل أيام، مرت الذكرى السنوية الـ12 لحركة 20 شباط/ فبراير 2011.. أين هذه الحركة اليوم؟
تنظيميا، يمكن القول بأن حركة 20 شباط/ فبراير استنفذت أغراضها بانتهاء السياق الذي أفرزها. سياسيا، يمكن القول بأن روح 20 شباط/ فبراير ما تزال تخيم على مغرب ما بعد 2011 حيث الحراكات الشعبية في تكاثر ولم تأفل، رغم القمع والمناورة والمحاربة التي تتعرض له من طرف السلطات وحتى بعض السياسيين الذين كانوا يناصرونها استقواء بها وتخويفا للمخزن منها.
رئيس الحكومة المغربية الأسبق عبد الإله بنكيران، دعا المغاربة للحفاظ على « الملكية »، هل تتفقون معه؟ هل « الملكية » في المغرب يمكن أن تتحوّل إلى « ملكية برلمانية » على غرار الملكية الإسبانية أو الهولندية أو البريطانية؟
صار هذا أسلوب معروف لدى بنكيران حيث يَصطنع خصما أو يفتعل قضية ليبرر الجدوى منه وحاجة الملكية إليه. هو بهذا الطرح يسيء للملك ولنفسه ولحزبه وللمغرب وللمغاربة. هو لم يستوعب الدرس السابق بأن الملكية لا تقبل منة أحد عليها بأنه أنقذها وأنه هو مَن يدافع عنها ويحميها.
الإساءة للملكية بهذه الطريقة هي التي تدفع اليوم أصواتا مخزنية إلى التبرؤ من بنكيران ومن إقحامه للملك بغير مناسبة ومحاولة الاستقواء بالملكية بإظهار أنها ضعيفة وأنه منقذها. جرب بنكيران هذا الأسلوب بعد 2011 ولكنه اُستعمل لمرحلة وتم التخلص منه بطريقة مُذلّة له ولحزبه.
بخصوص الشق الثاني من سؤالك أظنه غير مطروح طالما أن الملكية نفسها تستبعده كخيار وتصر على خصوصيتها.
البعض يعوّل على احتمالية قيام العاهل المغربي الملك محمد السادس بالعفو عن سجناء الرأي والصحفيين المعتقلين.. هل هذا وارد؟
يلاحظ منذ حادثة الإسباني كالفان صيف 2013 ميل نحو عدم الاستجابة المباشرة مع مطالب الحراكات الشعبية. مثلا في حراك الريف لم يبق في السجون إلا ستة هم رموز الحراك مما يجعل السؤال مشروعا عن معيار هذا الاستثناء. بخصوص قضايا أخرى يمكن الإفراج عن الكثير من المعتقلين دون أن يثير ذلك أدنى مشكلة قانونية أو سياسية، بل يمكن أن يشكل الإفراج انفراجا حقوقيا وسياسيا، ولكن هناك نوع من الإصرار على عدم التجاوب حتى لا يفهم منه أن المخزن ضعيف، وأن الضغط والاحتجاج يعطي نتائج مما يوسع هامش الاحتجاجات لتطال فئات ومناطق أخرى. يزيد من هذا التباطؤ أن جهات أخرى لها هذا الحق دستوريا ولكنها تتقاعس عن أداء دورها مثل البرلمان.
ما فرص حدوث انفراجة سياسية في المغرب؟
الفرص موجودة دائما ولو أنها قليلة الآن. في المغرب يمكن لعامل ثانوي أن يحدث تغييرا أساسيا ومفاجئا أحيانا، وقد تساهم في تسريع هذه الفرص القليلة أحيانا عوامل دولية أو إقليمية أكثر من العوامل الداخلية.
في 17 شباط/ فبراير الماضي، مرت الذكرى الـ 34 لتأسيس « اتحاد المغرب العربي » بمدينة مراكش المغربية.. فهل الواقع يقول إنه لا يوجد الآن أي أفق لإحياء هذا الاتحاد؟
هو اتحاد وُلد معاقا ونشأ وإعاقته تكبر حتى وصلت إلى حالة شلل. الاتحاد اليوم رهينة لصراعات بينية بين نظم مستبدة تتقوى على شعوبها بإضعاف اتحاد شعوب هذه المنطقة. لم يعد الاتحاد يشكل أولوية لدى أنظمة هذه الدول المنشغلة بمشاكلها الداخلية. كلفة فشل هذا الاتحاد كبيرة على المنطقة التي كان يمكن أن تقوي موقعها التفاوضي مع الاتحاد الأوربي لو تعاملت معه ككتلة واحدة. لو جُرب تفعيل الاتحاد على المستوى الشعبي وقوى المجتمع المدني المستقلة لكان ربما أجدى وأنفع.