مساهمة في نقاش ٢ ( حول مبحث الفن والاسلام)
هذه عوارض مختصرة كتبتها على عجل وساهمت بها في نقاش مع زمرة طيبة من العلماء والباحثين والمهتمين . أنشرها للافادة والاستفادة . وارجع في مستقبل الايام الى تفصيل بعض نقاطها المختصرة .
اتمنى لكم قراءة متروية ممتعة.
•••••••
– معالجة اي موضوع تبدأ بتحديد المفاهيم ؛ ومفهوم ( اسلامية ) الفن او المعرفة او الادب ؛ مازال مفهوما ملتبسا ، فيه نقاش عريض ومعقد . لم ينته بعد ولم يتمايز عند اهل الاختصاص . وإلقاء اللفظ على عواهنه تدليس وتلفيق يزيد اللبس والعمه .
– الحديث عن الفن وماهيته ليس رأيًا انطباعيا اونفسيا بل هو معرفة بمبحث الفن ومحدداته وتاريخه وفلسفته والمقولات التي صاحبت مسيرته عبر العصور . والقول فيه بغير معرفة ذلك هدر .
-فنية الفن و ادبية الأدب لا يثبتهما دين ولافكر ولا ايديولوجيا ولاقضية .وكل فن او أدب يقاس بقواعده العلمية ويعتبر بانضباطه لها.
– معضلة الفقهاء المحرمين للفن انهم لم يتناولوا الفن مجردا من مضامينه المصاحبة له ؛ ولم يعتبروه كعلوم الالة مثل النحو والعروض والحساب ، فجروا تحريم اثرهِ او مكانه او محتواه او مصاحباته على عيْنهِ .
– لم يجتهد علماء الاسلام في بناء فلسفة اسلامية جمالية ولم يخوضوا في حديث الفنون الا من دائرة التحريم او الاباحة . بسبب ظروف تاريخية يطول تفصيلها هنا . لكن هناك كلاما منثورا في كتب بعضهم قد يُجمِّع نظرة اسلامية للفن والجمال .
– جناية بعض الفقهاء ليست هي المشكلة اليوم فقط ، بل جناية بعض » الاسلاميين » اكثر ؛ اذ حاولوا ادلجة الفن واعتباره وسلية مراغمة وسجال ، مثل المدرسة الماركسية . وحاولوا ان ينتجوا فنا » اسلاميا » دون تبين المفهوم ولا تبين الشكل و لا اتقان المنتج . فعمقوا الهوة و وسعوا الشرخ .
– ولان نظرة الاسلاميين الفقيهة في اوائل النشأة كانت متأثرة بالفقة المنحبس ، والتطرف الوهابي ؛ انتجوا « فنا » لايجاوز الجمهور المنتظم في الحركات الاسلامية . مقيدا بأسمال الفتاوي الشاذة .
– الوهابية ليست فقط فرقة فقهية وعقائدية متطرفة ؛ بل هي نظرة شاذة للحياة والجمال والحب والعيش وكل تصاريف المجتمع والاسرة . ولذلك نجد ان بعض الاسلاميين وان تخلصوا من الميراث الفقهي الوهابي لم يتخلصوا من الموقف الشاذ من الحياة ومعالمها في الفن والثقافة والجمال .
– المقصد والغائية و « الهدفية » ، لاتُلزم الفن في ان يكون « اسلاميا » او راقيا . بل ليس بالضرورة ان يجري على المباح حكم آخر مادام مباحا . فالتسلية واللهو و الضحك من الطبائع البشرية التي لايحتاج تقييمها فقيها .
– والفن للفن مباح . مثل اي شيء مباح في ذاته لايقيد الا بعارض منضبط ، ومن اضاف للفن قصدا وغاية ورسالة رفع عمله من منزلة الصفر (كما يعبر الاصوليون ) الى مرتبة الأجر .
– في حديث » اسلم شعره ولم يسلم قلبه » بيان على ان الفن الذي يتناغم مع رسالة الاسلام لايلزم من ان يكون صاحبه مسلما او » اسلامي » . ومع ذلك نجد الناس يعرفون » الفن الاسلامي » بالفنانين » الملتزمين حتى وان لم يكن فيما يقدمونه فناً اصلا او « اسلامية » البتة .
– ولذلك نجد معاناة كبيرة مع ميراث » فني اسلامي » لايتوافق مع محددات الجمال ولا ضوابط الابداع . والمصيبة ان هناك اجيال تربت على هذا المستوى من التذوق الفني والجمالي . وهي تحتاج الان الى إعادة تأهيل . أو على الاقل وقف تسرب ذوقها الى الاجيال المقبلة .
– الحاجة ماسة ؛ بل تصل الى حكم الواجب ؛ في اعادة تنشئة الاجيال المقبلة بتربية جمالية سليمة وتذوق فني سليم . وايضا انتاج ما لايتعارض مع الميراث الانساني في الفن والجمال .
– لابد لنا من ان نخوض هذا البحر المتلاطم الغائر بقلب سليم صادق مخلص للحق فقط ، وعقل منضبط للعلم وصرامة القواعد في الاستنباط والاستدلال . وخلقٍ قابل للاختلاف فيما يتسع الاختلاف فيه . يتجنب الغيرة الدينية بدون علم والجرأة على الفقه بدون زاد و أهلية .
وللحديث بقية ….
•••••
والله من وراء القصد